مشروع تقسيم العراق وتجاهل القانون الدولي

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
04/11/2007 06:00 AM
GMT



دعونا من خطط تقسيم العراق القديمة ؛ ولنقرأ الحديث منها عبر سوابق تطبيقات حقيقية تجاوزت الخطط الى التنفيذ الواقعي . في عام 1991 ؛ وبعد ان كانت اكثر من الف طائرة حربية تقوم بما يزيد على 106000 طلعة جوية على العراق وتسقط 8800 طن من القنابل مختلفة الصنع والتسميات ؛ تدعمها اكثر من 30 سفينة حربية وتسندها 300من صواريخ توما هوك كروز ؛ اصدرت الادارة والقيادة الامريكية في نيسان من العام ذاته قرارها بتقسيم اجواء العراق على الرغم من عدم تفويض الامم المتحدة بذلك ؛ فقد اعلنت

القيادة العسكرية رسميا عن الحظر الجوي شمال خط العرض 36 ( المنطقة الكردية ) وجنوب خط العرض 32 ( المنطقة الجنوبية ) . وسم هاتين المنطقتين بلغة هذه الايام ان شئت . وأجواء الدولة ـ كما نعلم قانونا ـ لا تختلف من حيث وحدتها مع جغرافية الوطن الترابية في استقلالها السيادي طبقا لمعايير القانون الدولي . والامثلة على مدى احترام الدول لهذا المبدأ السيادي كثيرة ومنها ما طالعتنا به اجهزة الاعلام حديثا في 6 ايلول الماضي من اعلان سوريا ان دفاعاتها الجوية أطلقت النار على طائرات اسرائيلية انتهكت مجالها الجوي ؛ وكذلك ما اعلنته هيئة اركان الجيش النرويجي في يوم 7 من ذات الشهر الماضي من انها ( رصدت مقاتلات روسية فوق شمال الاطلسي مما استدعى ارسال طائرات نرويجية اعتراضية الى المنطقة التزاما بالتدابير الروتينية لحماية المجال الجوي النرويجي .) فاذن المجال الجوي للدول شأنه شأن حدود ارض الدول من حيث احترام السيادة وعدم التجاوز عليها .

ولما حلت نكبة احتلال العراق عام 2003أخذت ملامح التجزئة الممهدة لذلك المشروع الخبيث تترى على السطح؛ ومنها بث وتنفيذ مفاهيم تفتيتية طبقا لنصوص ما سمي ب( قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية ) سيء الصيت حيث اخذ الوباء بالانتشار تفصيلا ؛ اعقبه اقتتال عرقي وطائفي هدفه تمزيق وحدة الشعب العراقي الذي لم يعرف الفرقة ؛ تلاه تهجير للسكان من محلاتهم ومناطقهم طبقا للمخطط الطائفي والعرقي ؛ ثم تهجير اوسع له في البراري والصحارى والخيام داخل الوطن ؛ ليتحول الى تهجير او هجرة الى خارجه قسرا او خوفا حيث تحولت تلك الجموع الهائلة من العراقيين الى ملايين من الجياع ا و المرضى ا و الشحاذين او المنبوذين في بقاع شتى من العالم في حين يطوف الوطن على بحر من النفط ترسو فوقه سفن السلب والفسادالمالي الذي يشكل اعلى نسبة نهب عام في العالم . والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه في هذا الجو المشحون بالبغضاء والشحناء والتمزيق والتفتيت ؛ أليس هذا الذي حدث وغيره كثير وتحت سمع وبصر وتوجيه المحتل ان هو الا مقدمات وسوابق واضحة ومكشوفة لمشروع التقسيم ؟!!

لو رجعنا الى المباديء العامة لميثاق الامم المتحدة وبخاصة ما يتعلق بالقواعد القانونية الآمرة التي تقف بحزم ضد كل ما يعرض الامن والسلم الدوليين الى الخطر نجد ان ( الفقرة 7 من المادة 2 ) تمنع بشكل صريح وواضح التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاعضاء ومنه قرار مجلس الشيوخ الامريكي الذي نحن بصدده ؛ وما توصية الهيئة العامة للامم المتحدة التي اتخذتها في 21 كانون الاول عام 1965 برفض التدخل بالشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها الا تعزيزا لهذا المبدأ الذي يطرق اسماعنا اعلاميا ايضا من هذه الدولة او تلك صباح مساء . فاذا كان الامر كذلك ؛ فما بال مجلس الشيوخ الامريكي يتجاهل هذا المبدأ الديمقراطي الواضح ؛ ويصدر قراره المخجل هذا بتاريخ 26/9 /2007 ؛ ؛ بل وما بال السناتور جوزيف بيدن يزايد على الجمهوريين الذين سبقوه الى ذلك واقعيا كما بينا ؛ والانتخابات الرئاسية لعام 2008 على الابواب ؟!! . الا يعطي هذا المشروع المستهتر بكل النصوص و القواعد الدولية علامة جلية على السباق المحموم للمصوتين على القرار لكسب ود الداعين الى ذلك من القوى الخفية المتنفذة ( فعلا وواقعا ) و التي تسيطر على مقاليد التوجيه والحكم في هذه الامبراطورية الحديثة المتسلطة

وبعد الا يجوز طرح السؤوال التالي بصيغة الاستغراب :في اية ديمقراطيات من هذا العالم المأزوم ؛ ينبري برلمان لاصدار قرارات تدعو الى تقسيم او تفتيت او تجزئة دولة ما ؛ ما زالت عضوا في الامم المتحدة ؟!

ولنقرب الصورة لتكون اكثر وضوحا من هذه المهزلة الديمقراطية وذلك بافتراض ان عضوا من البرلمان العراقي ( او غيره من البرلمانات ) وجد اان التوزيع السكاني والجغرافي في الولايات المتحدة الامريكية لا يتماشى مع العدالة والديمقراطية حيث تبين له ـ على سبيل المثال ـ ان ولاية كلفورنيا ايبلغ عدد سكانها اكثر من ( 33 مليون نسمة ) ومساحتها ( 410 كم2 ) في حين ان ولاية ألاسكا لايزيد عدد سكانها على ( نصف مليون فقط ) بينما تبلغ مساحتها اكثر من ( مليون ونصف كم2 ) اي ستة اضعاف مساحة ولاية كليفورنيا ؛ عندها تفتق ذهنه ان يتقدم باقتراح يؤدي الى تحقيق العدالة والديمقراطية وذلك بتقسيم ولاية الاسكا واسعة الاطراف الى ثلاثة اقسام ؛ يختص القسم الشمالي منها بكل قبائل المايا ( وهم سكان امريكا الاصليون ) التي تنتشر متفرقة هنا وهناك بحيث تعيش متآخية مع شعب ألألويت على ضفاف نهر يوكن ؛ اما القسم الاوسط فيختص بالسكان القاطنين حاليا ؛ على ان يخصص القسم الجنوبي الشرقي الذي يخترقه نهر تانانا لخمسة ملايين من المرحلين من كلفورنيا ليعملوا مع المهاجرين الاوربيين القدامى في حقول استخراج النفط والغاز الطبيعي المكتشفة عام 1968 ؛ وحينما تقدم النائب الهمام بمقترحه هذا وبعد دراسة معمقة من قبل السادة النواب !! صوت عليه البرلمان بالقبول واصدر قراره باعادة تقسيم ألاسكا على النحو المبين بالقرار ؛ مشترطا تزويد الكونغرس الامريكي بنسخة منه لحفظها في ملف ( الديمقراطية ) ؛ وكذلك بنسخة ثانية الى الامم المتحدة لعرضها على الدول الاعضاء ثم حفظها كوثيقة رسمية ايضا في ملف ( العدالة وحقوق الانسان ) . وازاء مثل هذا القرار الصبياني العبثي المهووس وفوضى التدخل في الشؤون الداخلية للدول !! ماذا ترى سيقول جهابذة القانون الدولي والخبراء ( الاستراتيجيون !! ) الامريكيون في مباديء سيادة الدول المحصنة من التدخل الخارجي في اهم شؤونها الداخلية ووحدتها وسيادتها الكلية او النسبية .

ان التمزيق الجغرافي ؛ لم يكن يوما قادرا على ابعاد الشعو ب المتلاحمة في نسيجها عن بعضها البعض ؛ والامثلة على ذلك كثيرة عبر صفحات الماضي البعيد والقريب ؛ فما بالك بالشعب العراقي الذي عرف بقوة ترابطه وكفاحه العنيد ضد تفتيت تراصه وصلابة اندماجه واصراره على تماسكه ومقاومته لكل جهة تسعى للنيل من تلك الوحدة الوطنية العريقة . وستذكّــــر الايام كل أولئك الذين عملوا ويعملون على تجزئة العراق الواحد ؛ بأن مشروعا متهافتا كهذا الذي صدر عن مجلس الشيوخ الامريكي مكتوب عليه السير بعكازتي الفشل المحتم نحو مقبرة مهملات التاريخ .